Monday, 20 May 2019

قراءتي في رواية (حمام الدار) للكاتب الكويتي سعود السنعوسي




قراءتي في رواية (حمام الدار- أحجية ابن أزرق) للكاتب الكويتي سعود السنعوسي


الرواية من منشورات ضفاف - الدارالعربية للعلوم - الطبعة الثانية 2017 - (182 صفحة)

 أربعة أعمال روائية هي حصيلة الكاتب الكويتي العبقري الشاب سعود السنعوسي, لا تتشابه هذه الروايات إلا في عبقرية السرد  التي تذهل القارئ وعمق الموضوعات الإنسانية التي تتناولها
من الصفحة الأولى تتملكك الدهشة وتجد نفسك داخل دوامة تدوخك حتى تشعرر أنك لست قادراً على فهم شيء, فهي أحجية بحق
تدوخك الأحداث لدرجة أنك قد تعيد قراءة مقاطع كاملة لعلك تفهم حقيقة ما يجري, لكن هيهات أن يتأتى لك هذا بسهولة, فكونها أحجية فهذا يعني أنك لن تتمكن من فهم الصورة الكاملة إلا بإتمام ترتيب قطعها جميعها, وهكذا تجد نفسك مع كل صفحة جديدة تقرؤها أكثر قدرةً على فهم الشخصيات والأحداث إلى أن تصل إلى آخر صفحة حيث تجد نفسك تهمس (اها الآن اتضح كل شيء)
الرواية هي عن كاتب تظهر له من العدم شخصية رجل خمسيني غريب كئيب يخلق من العدم مع كم كبير من الكآبة والمآسي, تسيطر هذه الشخصية بشكلٍ كاملٍ وتؤرقه- خاصةً- عندما تصل الأحداث في الصباح لخامس من عمر هذا الرجل إلى الذروة حيث تدل الأحداث إلى نتيجةٍ حتميةٍ هي انتحار الشخصية ونهاية الرواية القصيرة الغريبة التي فرضت نفسها على الكاتب, لكن وبشكلٍ صادم فإن البطل يرفض الانصياع للمنطق ويقرر عدم الانتحار لأسباب غير معروفة للكاتب الذي يحاول التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها ويقرر التدخل لإقناع البطل بضرورة الانتحار عن طريق الاستعانة بشخصية أخرى في الرواية, هنا يتمرد البطل ويقلب الطاولة على الكاتب لنجد أن الأدوار تتبدل فيصبح البطل كاتباً ويتحول الكاتب إلى شخصية روائية لا حول لها ولا قوة. فيعيد الكاتب الجديد سرد نفس الأحداث من زاوية جديدة لتتكشف لنا شيئاً فشيئاً حلول الألغاز التي أحاط بها الكاتب شخصيته المزعومة  
وتتبدل مشاعرك كقارئ من مشاعر كراهية واشمئزاز تجاه هذا الرجل الغريب الأطوار إلى مشاعر تعاطف وحزن عميق لدرجة أنك تتمنى لو كان بإمكانك القفز داخل صفحات الرواية لعلك تقدر أن تحضنه وتواسيه وتقدم له يد العون
ثيمة الرواية الأساسية هي رواسب مرحلة الطفولة وذكرياتها التي تحدد شخصية الإنسان في مراحل عمره المتقدمة وتأثير الأحداث والتجارب التي يمر بها الطفل وبصمتها في لا وعيه بحيث تتحكم في حياته وقراراته إلى حدٍ كبير 

مسكين هو (منوال) الذي ما إن ضحكت له الدنيا بعد طفولة تعيسة مضطربة, حتى كشرت له عن أنيابها بقسوةٍ ل مثيل لها, ليكتشف كذب المقولة التي لطالما آمن بها كطفل (أفعى الدار لا تخون, وحمام الدار لا يغيب), حيث تثبت له الدنيا بلا رحمة أن (أفعى الدار قد تخون وأن حمام الدار قد يغيب)

هذه بعض المقاطع التي تركت في نفسي أثراً عميقاً:
-كان مجيء التوأمين بعد سنوات انتظار وتدخل طبي وملازمة منيرة للسرير بمنزلة مكافأة لم نكن نحلم بها, نحن اللذان ما حلمنا بأكثر من مولود, ذكراً كان أم أنثى, لا يهم. طفرت الدموع من عيني منيرة وهي تعانقني وقت أخبرنا الطبيب أول مرة بحملها (لن أتحرك من فراشي إلى حين ولادتي) قالت وهي تعصر كفي
غالبتني دموعي وأنا افكر في حياة مقبلة (سوف أبقى إلى جانب الفراش وأكون أطرافك الأربعة) تحشرج صوتي وانا أحدثها وفي خلدي صورة أمي على فراش المرض تلوم والدي (بترت اطرافي). 
كنت اشعر بعناقي لمنيرة أني اعانق عائلة توشك أن تكون, متحرراً من خسارات عائلةٍ كانت

- تسممّر أمام مرآته.. أفزعته صورته على وجهها وهو يحدّق فيها.... (من أنت؟ ها!). أطال النظر في انعكاسه 

- الأمومة أمرٌ عظيم.. لكن لماذا تخاف الأمهات؟ أنا أكره الخوف.. هو لا يتذكر من أمه إلا صوتها غناءً أو خوفاً (الغناء زاد الروح في الأيام الحزينة) 

- كيف للحزن أن يتخذ من الجمال ثوباً على هذا النحو من السحر؟ .. وكيف للحزن إياه أن يسقط أمي بعد ذلك طريحة الفراش؟

- كنت مؤمناً بوجود ذلك الصوت, أردته أن يكون موجوداً وقت أوشك أن أفقد أملاً.. صوتٌ هنا في هذا الصدر, رطب يُلين صلابة صمت اليقين في رأسي.
غاب أخوتي, غابت أمي وبقي الهاتف على قيد موتٍ مؤجل... جاء أجله يوم فقد قطنة. مات الصوت في داخي, ذهب مثلما جاء هادئاً ساكناً, ذاك الذي لم أتيقن وجوده, رغم أنه موجود مثل شيء أكيد, كان وقت غياب أخوتي وأمي يبثني إيماناً بعودة الغائب وغاب هو الآخر حاملاً معه وعوداً كاذبة يوم رحيل قطنة.... (حمام الدار قد يغيب وأفعى الدار قد تخون)
ما كنت لأنتبه إللى موت إيماني الذي لم يكن إلا رغبةً ملحة لمستحيل لولا الصمت الذي احتلني على نحوٍ مفاجئ. (ما الذي كنت أتحرى سماعه؟) رحت أمعن التفكير. لا شيء! حاولت أن أتشبث بخيطٍ دقيق سرعان ما انقطع. ذلك الهاتف القديم الذي كان يردد.....! لذت بصمتي أسألني (يردد ماذا؟؟) كان الهاتف يمدني بكلماتٍ لا أتذكرها.. سألتني أخيراً (أي هاتف؟؟)

- يا نظير عيوني, ودعتك الله, يا نظير عيوني
  نحت أنا لو أبرا, نوح الحمامة, نحت أنا لو أبرا

- صمتٌ مزعج.. ليس للصمت اقترانٌ بالهدوء.. الصمت محض موت والموت فقد...أنا أكره الفقد

-أنا أذعن لإيماني.. والإيمان لا يعدو كونه رغبة, والرغبة ليست أكيدة التحقق.. ولكن شيئاً أفضل من لا شيء   

-أسئلة الفقد تطوقني.. ألعن عقلي, والسؤال.... وحده السؤال منحة العقل ومحنته, والإيمان هو أن تعلق أسئلتك على  حبال الغيب وأن تجمد عقلك وأن تعقد صفقة مع لا شيء... لأن لا سبيل لك إلا انتظار غدٍ قد يجيء بما تريد أو لا يجيء... لا العقل يسعفني ولا الإيمان ولا برزخ الأسئلة بينهما

أما أكثر عبارةٍ لا مستني فهي (يصير الرحيل أخف وطأة لو أوجد له مسوغاً... مجانية الفقد تحيله جرحاً مفتوحاً في صورة سؤال)

باختصار هي رواية مدهشة رغم حزنها..وأثناء انتظار جديد السنعوسي, أنصحكم حتماً بخوض تجربة الغوص في بحر هذه الرواية الأزرق الذي لا يشبه الأزرق الذي يحبه غالبيتنا
هذا الازرق الذي أضافت الرواية سبباً آخر لخوفي منه... أقصد البحر الازرق الذي أخافه جداً


دمتم قارئين
شيرين الخس


No comments:

Post a Comment