قراءة في رواية (الساعة الخامسة والعشرون) للكاتب الروماني قسطنطين جيورجيو وترجمة د. فائز كم نقش
عدد الصفحات 506
أنهيت أمس قراءة رواية (الساعة الخامسة والعشرون) للكاتب الروماني قسطنطين جيورجيو وترجمة د. فائز كم نقش
وهي ملحمة أدبية كتبت عام 1949 ومنعت في أوروبا سنيناً طويلة. فيها كم فظيع من الظلم والقهر والألم
استمرت روحي بالنزف وعيوني بذرف الدموع على امتداد ساعاتي القليلة التي رافقتني فيها هذه الرواية، فرغم كونها تعتبر طويلة نسبياً، إلا أنها شدتني ووجدت نفسي اقرؤها بلهفة وسرعة وشعرت أنني متورطة فيها أجري من صفحة لأخرى بحثاً عن بصيص أمل يضيئ حياة البطل ايوهان مورتيز الشاب الروماني الذي لعبت الصدف دورها الأكبر في كل ما جرى في حياته من مآسٍ لا يمكن لإنسان أن يتحملها، ورغم انتقاله من مأساةٍ إلى أخرى على امتداد الرواية إلا أنه بقي محافظاً على إنسانيته وطينته الخيّرة، على نحو مثير للعجب والإعجاب على حدٍ سواء.
تناقش الرواية العديد من القضايا المصيرية، إلى جانب سردها لاحداث الحرب العالمية الثانية، كالدين والمصير والهوية والحرية والتطور التقني.
كما ان الرواية تعتبر صرخة استنكار ورفض في وجه الأيديولوجيات المتطرفة التي استعبدت الإنسان وشوهت إنسانيته و روضته ليصبح مواطناً في المجتمع الآلي، واعتبرته عدواً يهدد سلامة البشر وبذلك أباحت لنفسها الفتك به بكافة الطرق ودون أدنى شعور بالذنب. وربما يمكننا اعتبارها رواية الأحلام الإنسانية المهدورة.
الجدير بالذكر أن هذه الرواية التي حصل كاتبها على جائزة نوبل كانت ممنوعة في رومانيا في الحقبة الشيوعية ولم يسمع المواطنون الرومانيون عنها وعن كاتبها.
الجدير بالذكر أن هذه الرواية التي حصل كاتبها على جائزة نوبل كانت ممنوعة في رومانيا في الحقبة الشيوعية ولم يسمع المواطنون الرومانيون عنها وعن كاتبها.
من أكثر الاقتباسات إثارةً للفزع، هي مقولة تريان:
"لقد أشرفَ العالم على دخولِ ساعته الخامسة والعشرين، وهي التي لن تشرق الشّمس من بعدها على الحضارة البشريّة أبداً، والتي لن يحلّ بعدها يومٌ جديد، إنّها السّاعة التي سيتحوّل فيها البشر إلى أقليّة عديمة القدرة على التّفكير لا وظيفة لها غير إدارة جحافل الآلات وصيانتها وتنظيفها".
إن الساعة الخامسة والعشرون ماهي إلا تلك الساعة التي يتعذر فيها على الإنسان النجاة بحياته من هلاك مؤكد. هي (اللحظة التي تكون فيها كل محاولة للإنقاذ عديمة الجدوى، بل إن قيام المسيح نفسه لن يجدي فتيلاً. إنها ليست الساعة الأخيرة، بل هي ساعة ما بعد الساعة الأخيرة. ساعة المجتمع الغربي. إنها الساعة الراهنة.. الساعة الثابتة المضبوطة).
ولتوضيح ما يعنيه الكاتب بهذه الساعة فقد اورد القصة التالية:
كان الغواصون في الماضي، عندما ينزلون إلى أعماق البحر، يصطحبون معهم عدداً من الأرانب البيضاء، حتى إذا بدأت هذه الأرانب بالموت يدرك الغواصون بانه لم يبقَ لديهم من الأكسجين إلا ما يكفي لخمس ساعات، يبدؤون فيها رحلة النجاة إلى سطح الماء. والساعة الخامسة والعشرون هي تلك التي تحل بعد انقضاء الساعات الخمس التي تلي موت الأرانب البيضاء.
المتهم الأول في كل المآسي التي رافقت شخصيات الرواية، هو الإنسان، الذي تخلى عن إنسانيته، وانضم للمجتمع التقني، الذي يحوِّل الإنسان إلى آلة، منخرطا في لعبة قذرة يتناوب فيها على دوري الجلاد والضحية.
ما زاد من تأثير هذه الرواية الرائعة هو كونها عابرة للأزمنة والأماكن، فهي تصلح لزماننا هذا كما لو أنها تتناول احداثه الراهنة على امتداد العالم أجمع. حيث أن الكثير من الناس يفقدون إنسانيتهم ولا يعدون اكثر من ارقامٍ تعامل حسب انتمائها وقد تنتقل من معسكرٍ إلى المعسكر المعادي دون إرادة أو نية، بل وربما عن طريق الخطأ. كما ان الكثيرين من الأفراد يجدون أنفسهم ضمن جماعاتٍ تقاتل فريقاً ما، دون أن يفهموا السبب أو الدافع.
تعتبر رواية (الساعة الخامسة والعشرون) نقداً عنيفاً موجهاً للحداثة والمجتمع المعاصر؛ و تتناول ألم الإنسان المقهور أو نهايته المؤلمة، وهي رواية ساحرة، محبوكة بتشويق ومهارة، لا ينفك الحب يلقي ظلاله على امتدادها ليذكرنا بإنسانية البشر وربما بإمكانية انتصار الإنسانية على المجتمع الآلي بمحافظته على عواطفه السامية.
والجدير بالذكر أنه قد جرى تحويل هذه الرواية المميزة لفيلم من إنتاج فرنسي إيطالي يوغوسلافي مشترك سنة 1967، بطولة ممثل عبقري هو أنطوني كوين
بعض الاقتباسات التي أثرت بي:
- إن الإنسان يستطيع السيطرة على كل الحيوانات المفترسة. غير أن حيوانا جديدا ظهر على سطح الأرض في الآونة الأخيرة. وهذا الحيوان الجديد اسمه : المواطنون.
إنهم لا يعيشون في الغابات، ولا في الأدغال، بل في المكاتب. ومع ذلك فإنهم أشد قسوة وضراوة من الحيوانات المتوحشة في الأدغال. لقد ولدوا من اتحاد الرجل مع الآلات. إنهم نوع من أبناء السفاح، وهو أقوى الأصول والأجناس الموجودة على سطح الأرض.
إنهم لا يعيشون في الغابات، ولا في الأدغال، بل في المكاتب. ومع ذلك فإنهم أشد قسوة وضراوة من الحيوانات المتوحشة في الأدغال. لقد ولدوا من اتحاد الرجل مع الآلات. إنهم نوع من أبناء السفاح، وهو أقوى الأصول والأجناس الموجودة على سطح الأرض.
- إن المجتمع الآلي يستطيع ابتداع رفاهيك، لكنه لا يستطيع خلق الفكر. وبدون الفكر لا توجد العبقرية. وإن مجتمعًا محرومًا من رجال عباقرة، مقضيٌّ عليه بالفناء. "
- ليس كل انسان مشابها في القوة او في الضعف لكل انسان اخر .
الآلات وحدها يمكن ان تكون متكافئة فيما بينها .هي وحدها يمكن ان تستبدل و ان تفكك اجزاؤها وتحول الى عناصرها الرئيسية او الى حركات أساسية .فاذا تشبه الانسان بها حتى يماثلها ،فلن يبقى حينها انسان واحد على سطح الأرض.
الآلات وحدها يمكن ان تكون متكافئة فيما بينها .هي وحدها يمكن ان تستبدل و ان تفكك اجزاؤها وتحول الى عناصرها الرئيسية او الى حركات أساسية .فاذا تشبه الانسان بها حتى يماثلها ،فلن يبقى حينها انسان واحد على سطح الأرض.
- إنه ليس الأسف للبقاء بل إنه الحنين إلى شيء نعتقد في صحته في خيالنا، شيء لن نمتلكه أبداً. وإذا بلغناه، فإننا سرعان ما نجد أنه لم يكن هو موضوع أحلامنا. لعل أمريكا لم تكن هدفي المنشود. لعلها كانت حجة اكتئابي. إن أمريكا ليست إلا اختراعاً لفقه حنيننا. وقد يكون عدم رؤيتها أقل خيبه لآمالنا مما لو شاهدناها حقيقة
- هناك بعض الميتات التي لا تخلّف وراءها جثثاً
وكما العادة أنصحكم بقراءة هذه الملحمة لتعيشوا تفاصيلها المشبعة بالمشاعر الإنسانية المختلفة وتحكموا عليها بأنفسكم.
دمتم قارئين
شيرين الخس