Sunday, 3 June 2018

قراءة في رواية (تراب الماس) للكاتب أحمد مراد

قراءة في رواية (تراب الماس) للكاتب أحمد مراد
"حين يصبح القتل أثراً جانبياً"

تقع الرواية في 389 صفحة من القطع المتوسط – دار النشر: دار الشروق – أول إصدار لها كان عام 2010


حبكة متقنة, أحداث بوليسية مشوّقة, أسلوب قصصي ماتع, تفاصيل علمية وتاريخية, باختصار هي رواية سينمائية بامتياز, لا تملك وأنت تقرأها إلا أن تتخيل شخوصها يقفزون من بين دفتي الكتاب ليشاركوك تفاصيل حيواتهم فتشعر أنك تركت كرسيك كقارئ لتنغمس بكلّيتك في خضم الأحداث وتختبر مختلف أنواع المشاعر التي تتراوح بين الألم والحزن والحنق والغضب وغيرها من المشاع الإنسانية, وتشاركهم تفكيرهم وحيرتهم وقراراتهم, وتشعر أنك معنيّ بكل فعلً يقومون به وكل قرارً يتخذونه.
رواية تنتهي من قراءتها فلا تنتهي هي منك, بل تتركك مسكوناً بقضيةً أخلاقيةً تقضّ مضجعك وتحرمك من الراحة والهدوء لأيامً وليالً طويلة. تتلخص هذه القضية بسؤالً يدور حول الصراع الأبدي بين الخير والشر. السؤال المعضلة هنا هو (ماذا لو امتلكت الخيار بأن تقوم بفعلً شرير صغير لتوقف به شروراً عظيمة قد تطالك وتطال غيرك من الأبرياء والضعفاء الذين لا ناصر لهم إلا الله؟). هل سيكون قرارك حينها أن تُنصّب من نفسك قاضياً وحاكماً فتعقد في سرّك محكمةً تحكم خلالها بإنهاء حياة إنسان (هو مصدر شرورٍ عظيمة) ولا تكتفي بهذا بل تمضي قدماً لتنفذ فيه بيدك حكم الإعدام بدمٍ باردٍ وضميرٍ مرتاح؟ أم كنت لتفضّل أن تتناسى الأداة السحرية الرهيبة التي رمتها الصدفة في طريقك وتترك الأقدار تأخذ مجراها, رغم أنه يدنو أجلك قبل أن ترى القدر يأخذ بثأرك ويقوم بصفية الحسابات, حيث أن للقدر غالباً حسابات أخرى ومنطق لا تفهمه عقولنا دائماً؟
هذا السؤال كان هو الحدث المحوري الذي عصف بحياة بطلنا (طه الزهّار) ليقلبها رأساً على عقب, فبعد أن كان مجرد إنسانٍ بسيط يعمل مندوب شركةٍ طبية يعيش حياةً باهتةً رتيبة ويعيش وحيداً مع أبيه المقعد بعد حادثةٍ عائليةٍ مؤسفة تعرضا لها, ففجأة ودون سابق إنذار يجد نفسه أمام جثة أبيه وأوراق مذكراتً تحمل في طياتها سراً رهيباً وزجاجةٍ تحوي (البودرة السحرية), ويقف وجهاً لوجه أما فكرةٍ رهيبةٍ مضمونها (غلطةٌ صغيرة نصلح بها غلطاتٍ أكبر) هذا المنطق الثوري الغريب الذي تبنّاه أبوه والذي يختار صاحبه التدخل في مجريات القدر ولا يكتفي بموقف المشاهد منها.
وهكذا يجد (طه) الرجل العادي معدوم الحيلة نفسه أمام جريمة قتلٍ يبدأ البحث وراءها بدافع الانتقام مع صديقه الصدوق والفتاة التي أحبها في أشد أيام حياته خطورةً وحيرة, ليكتشف أنه أمام حلين لا ثالث لهما فإما أن يستسلم بخنوعٍ لكل هذا الظلم القاتم الذي وجد نفسه محاطاً به, وإما أن ينصّب نفسه يداً للعدالة, وبعد صراعٍ وتفكير طويلين اختار ثانيهما لتبدأ سلسلةٌ الانتقام التي قد لا تنتهي مع انتهاء الرواية مفتوحة النهاية.
لتكتمل روعة الرواية, قام الكاتب المبدع أحمد مراد بتصميم غلاف معبّر للرواية, حيث يظهر فيه البطل (طه الزهّار) حاملاً وراء ظهره مذكرات أبيه التي لطختها الدماء وتظهر في خلفية الصورة إحدى ميادين المدينة يغطيها اللون الأحمر كدلالة على انتشار رقعة الظلم وربما الانتقام.
لابد في النهاية من أن اذكر أن من سلبيات الرواية هي لغة الحوار التي حملت الكثير من الشتائم والسباب والألفاظ الخارجة واللهجة العامية, التي ربما قصد الكاتب من خلالها إضفاء واقعيةٍ أعمق على قصته. ورغم الانزعاج الذي من الممكن أن يتسبب به هذا للقارئ الحساس, إلا أنني أعتقد أنها لا تنتقص من روعة الرواية وعمقها.
في الختام, لو قُدّر لك عزيزي القارئ أن تمتلك أداةً سحريةً كالتي امتلكها بطلنا (طه الزهّار), فهل كنت لتفعل ما فعل؟؟ أم أن لك رأيٌ آخر؟؟
ملاحظة: لم أقم بذكر أيٍ من التفاصيل, لعل ما كتبته يشجعك على سبر أغوار هذه الرواية الشيقة لتحكم بنفسك إن كنتَ توافقني الرأي فيما كتبته أو لا.

دمتم قارئين
شيرين الخس