Tuesday, 1 August 2017

قراءتي لرواية (ألف شمس مشرقة) - للكاتب خالد حسيني



روايةٌ سحريةٌ تسحق روحك بجرعةٍ مضاعفة من الأحزان والآلام, لكن وقبل أن تلفظ روحك آخر أنفاس الأمل تمنحك الترياق, لترى شمساً, بل ألف شمسٍ تشرق من جديد
عملٌ رائع من أعمال الكاتب الأفغاني الأصل الأمريكي الجنسية خالد حسيني
هذه أول مرة اكتب فيها ما قد يسمى، على تواضعه، قراءةً لرواية. لذلك التمس منكم العذر أصدقائي على تواضع ما سأكتب
(ألف شمس مشرقة) هزتني من العمق بطريقةٍ تستعصي على الوصف، ربما السبب الأكبر هو مقاربتها لما تمر به سوريتنا الجريحة.
رغم بعض المواضع التي كان فيها ضعف الترجمة واضح، إلا أن الرواية فيها من العمق والروعة ما يجعل التغاضي عن هذه النقطة أمراً بديهياً وتلقائياً.
على امتداد الرواية، يجبرك الكاتب بطريقته المذهلة على الإحساس بمشاعر متناقضة مع كل شخصيات روايته تقريباً، بحيث تجد نفسك تنتقل بين مشاعر الحب والكراهية والتعاطف والحقد واللوم والغفران لكل الشخصيات تقريباً حسب تتالي الأحداث والظروف، وتشعر أن جميع هذه الشخصيات كانت في لحظةٍ ما مقهورة ومكسورة ومظلومة، لذلك تجد نفسك شاعراً بنوع من التعاطف معها حتى في أكثر أفعالها قساوة
شخصٌ وحيد لم استطع أن اغفر له فعلته، هو (وكيل)، الذي خذل ضعف النساء اللواتي رأين فيه مخلصاً.
رغم بكائي وألمي وحزني الذين رافقوني في اغلب رحلتي مع الرواية، إلا أن الأمل كان حاضراً دائماً.
ورغم أن موضوع الرواية هو المأساة الإنسانية التي طالت الجميع في هذه الحرب القذرة، إلا أنه كان واضحاً التركيز على مأساة النساء، ربما سبب هذا هو أنهن، وعلى الرغم من كونهن أكثر هشاشةً من الداخل، إلا أنهن في الوقت نفسه الأكثر قوةً وتصميماً على الاستمرار، بحكم أنهن من يمنحن الحياة والرعاية والقوة والإلهام لأطفال سيحبون الوطن ويعيدون إليه الحياة والأمل.
كما اعتقد أن عنوان الرواية المأخوذ كما ذكر الكاتب من قصيدة للشاعر صائب التبريزي، هي إشارة للنساء لأنهن يحملن الأمل والخير والتفاؤل ويقمن بإنارة الطريق للمستقبل، كما تنير الشمس الكون بعد ظلام الليل
لن اتطرق لرأي الكاتب السياسي، اذا أنني أعتقد أن الموضوع الإنساني هو الأكثر إلحاحاً هنا و لأنه من العبثية بمكان أن نجد رواية تاريخية واحدة يتفق عليها الجميع فيما يخص الحروب.
استطاع الكاتب وصف كارثية هذه الحرب وعبثيتها وآثارها المدمرة على الشجر والحجر، وكان من السهولة بمكان أن أرى الشوارع والأبنية وكل ما قام بوصفه في خيالي بسبب طريقته البسيطة السلسة بوصف التفاصيل الصغيرة. ورغم وصفه لكل هذه المآسي، إلا أنه لم ينسَ أن يزرع فينا الأمل ويعزز الإيمان بأن الوطن مهما كان قاسياً إلا أنه يستحق منا التضحيات ولملمة الجراح وتناسي الأحزان والتشمير عن سواعدنا لإعادة بنائه كلٌ من موقعه وحسب إمكانياته. وأنه من الضروري أن نعلم أولادنا حبه وأن نقص عليهم كل شيءٍ جميلٍ عن تاريخه وتراثه وحضارته وروعته.
وهذا هو ما جعل ليلى تترك حياتها الهانئة المستقرة السعيدة في باكستان لحظة معرفتها بأن العودة ممكنة وهذا ما جعلها تعمل مع الأيتام كمعلمة هدفها كغيرها عودة أفغانستان التي يحبون.
أتصور أروع ما يمكن أن يقال عن هذه الرواية هو ما ذُكر في كلمة الغلاف (رواية راقية، تنويرية، عالمية. إنها احتفالٌ بالصمود في وجه مأساةٍ شنيعة. إنها أغنية حبٍ لكل إنسانٍ لديه قلبٌ محطم، ولكل إنسانٍ يشعر بأن لا حول له ومع ذلك ما زال يجرؤ على الحلم). 
ومن أعمال الكاتب أيضاً روايات لا تقل سحراً وتأثيراً عن هذه الرواية, وهي:
ورددت الجبال الصدى
عدّاء الطائرة الورقية (تحولت الرواية إلى فيلم جميل), ولكن لا أنصح بمشاهدة الفيلم قبل قراءة الرواية, لأنه مهما كان طاقم العمل عظيماً وكان الفيلم رائعاً, تبقى نسختك التي يخرجها خيالك أثناء القراءة أجمل بكثير
أنصحكم جميعاً أصدقائي بخوض تجربة قراءة أعمال الروائي خالد حسيني, وأعدكم بتجربةٍ إنسانيةٍ عميقةٍ لا تُنسى

دمتم قارئين
شيرين الخس

Thursday, 27 July 2017

مما قرأت 1 - (رواية المسخ) للكاتب فرانز كافكا


إن أردت أن تقرأ روايةً تقضُّ مضجعك وتتركك في حالةٍ من اللاتوازن، روايةً تقلب موازينك فتتعاطف بعمقٍ مع ما تقززت منه طيلةحياتك،  روايةٍ تصدمك غرابة أفكارها فتشعر معها بالذهول ولا تتمكن من الخروج من ذهولك وصدمتك بعدها بسهولة. إن رغبت بأن تعيش هذه الحالة الفريدة،  إذاً فرواية (المسخ)  ستكون روايتك المفضلة. ومهما كان نوعك المفضل من الكتب،  تبقى (المسخ)  تجربةً فريدةً تستحق أن تُعاش. 
تخيل أن تستيقظ يوماً لتجد نفسك وقد تحولت إلى حشرة ضخمة. 😱
هل تجد هذه الفكرة غريبة وبعيدة الحدوث؟؟ حسناً، بهذه الفكرة يفتتح كافكا روايته،  حيث يستيقظ بطل الرواية غريغور سامسا في أحد الأيام، ودون مقدمات،  ليجد نفسه وقد تحوّل إلى حشرةٍ ضخمةٍ هي مزيج بين الصرصار والخنفساء. 
ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يتساءل القارئ عن سبب هذه الحادثة الغريبة وهذا التحول اللامتوقع،  إلا أن كافكا يتجاهل،  عن عمد، تبرير هذا الحدث الاستثنائي على طول الرواية،  وكأنه يعطي القارئ انطباعاً أن هذا التحول هو شيء طبيعي لدرجة أنه لا يستحق التبرير. ولا يكتفي كافكا بهذا،  بل يمضي في روايته قدماً ليجعلنا نجد أنفسنا نعيش مشاعر غريغور الحشرة من ألمٍ وإحباطٍ ومعاناةٍ فنحزن لأحزانه ونبكي لآلامه. وتتوالى الأحداث لنعايش أيضاً المشاعر المتناقضة التي تمر بها عائلة غريغور من صدمة ورفض وعدم تصديق إلى شفقة ثم تقزز ورغبة في الخلاص من هذه الحشرة الضخمة،  التي كانت قبل هذه الحادثة الابن الذي ضحى براحته وعمل بلا هوادة عملاً يكرهه في سبيل إعالة الأسرة وسعادتها ورخائها،  لتأتي النهاية متوقعة لكنها صادمة في الوقت ذاته. 
حقيقةً، إن ما يمنح هذه الرواية هالةً إضافيةً من الغموض،  هو كونها يمكن أن تُعتبر نبوءةً أكثر من كونها رواية، فقد نُشرت هذه الرواية عام 1915، وبعدها بعامين سقط كافكا صريع مرض السل،  هذا التحول الذي جعله يعيش كبطله غريغور منبوذاً من أبيه وأمه،  ليسافر إلى أخته التي اعتنت به كما اعتنت أخت غريغور به لفترةٍ ما ليموت بعدها وحيداً ميتةً تشابه إلى حدٍ مخيف ميتة البطل. 
(المسخ)  روايةٌ قصيرة لا يتجاوز عدد صفحاتها ال 80 صفحة،  لكنها رغم هذا تخطف أنفاس القارئ في رعبٍ وفضول منذ السطر الأول وحتى السطر الأخير،  ليستمر مفعولها بعد انتهاء الكتاب،  فتجد نفسك في حالةِ ذهولٍ كلي.  هي روايةً تطرح أفكاراً رمزية وجودية وجدانية بقالب روائي مبدعٍ إلى حد الادهاش. 
ملاحظة: لهذه الرواية عدة ترجمات عربية تحت أسماء مختلفة، إذ إن عنوان الرواية الأصلي Metamorphosis لا يقابله لفظٌ واحد في اللغة العربية،  فهو ترميز لعملية متكاملة حقيقية تنسلخ فيها اليرقة من قشرتها المؤقتة لتعيش حقيقتها كحشرةٍ كاملة. 
روايةً أنصحكم جميعاً بقراءتها لتعيشوا تجربةً مختلفةً متميزة. 
لكن هناك أكثر من ترجمة للرواية،  أنصح بترجمة منير البعلبكي أو مبارك وسّاط. 

دمتم قارئين
شيرين الخس