روايةٌ سحريةٌ تسحق روحك بجرعةٍ مضاعفة من الأحزان والآلام, لكن وقبل أن تلفظ روحك آخر أنفاس الأمل تمنحك الترياق, لترى شمساً, بل ألف شمسٍ تشرق من جديد
عملٌ رائع من أعمال الكاتب الأفغاني الأصل الأمريكي الجنسية خالد حسيني
هذه أول مرة اكتب فيها ما قد يسمى، على تواضعه، قراءةً لرواية. لذلك التمس منكم العذر أصدقائي على تواضع ما سأكتب
(ألف شمس مشرقة) هزتني من العمق بطريقةٍ تستعصي على الوصف، ربما السبب الأكبر هو مقاربتها لما تمر به سوريتنا الجريحة.
رغم بعض المواضع التي كان فيها ضعف الترجمة واضح، إلا أن الرواية فيها من العمق والروعة ما يجعل التغاضي عن هذه النقطة أمراً بديهياً وتلقائياً.
على امتداد الرواية، يجبرك الكاتب بطريقته المذهلة على الإحساس بمشاعر متناقضة مع كل شخصيات روايته تقريباً، بحيث تجد نفسك تنتقل بين مشاعر الحب والكراهية والتعاطف والحقد واللوم والغفران لكل الشخصيات تقريباً حسب تتالي الأحداث والظروف، وتشعر أن جميع هذه الشخصيات كانت في لحظةٍ ما مقهورة ومكسورة ومظلومة، لذلك تجد نفسك شاعراً بنوع من التعاطف معها حتى في أكثر أفعالها قساوة
شخصٌ وحيد لم استطع أن اغفر له فعلته، هو (وكيل)، الذي خذل ضعف النساء اللواتي رأين فيه مخلصاً.
رغم بكائي وألمي وحزني الذين رافقوني في اغلب رحلتي مع الرواية، إلا أن الأمل كان حاضراً دائماً.
ورغم أن موضوع الرواية هو المأساة الإنسانية التي طالت الجميع في هذه الحرب القذرة، إلا أنه كان واضحاً التركيز على مأساة النساء، ربما سبب هذا هو أنهن، وعلى الرغم من كونهن أكثر هشاشةً من الداخل، إلا أنهن في الوقت نفسه الأكثر قوةً وتصميماً على الاستمرار، بحكم أنهن من يمنحن الحياة والرعاية والقوة والإلهام لأطفال سيحبون الوطن ويعيدون إليه الحياة والأمل.
كما اعتقد أن عنوان الرواية المأخوذ كما ذكر الكاتب من قصيدة للشاعر صائب التبريزي، هي إشارة للنساء لأنهن يحملن الأمل والخير والتفاؤل ويقمن بإنارة الطريق للمستقبل، كما تنير الشمس الكون بعد ظلام الليل
لن اتطرق لرأي الكاتب السياسي، اذا أنني أعتقد أن الموضوع الإنساني هو الأكثر إلحاحاً هنا و لأنه من العبثية بمكان أن نجد رواية تاريخية واحدة يتفق عليها الجميع فيما يخص الحروب.
استطاع الكاتب وصف كارثية هذه الحرب وعبثيتها وآثارها المدمرة على الشجر والحجر، وكان من السهولة بمكان أن أرى الشوارع والأبنية وكل ما قام بوصفه في خيالي بسبب طريقته البسيطة السلسة بوصف التفاصيل الصغيرة. ورغم وصفه لكل هذه المآسي، إلا أنه لم ينسَ أن يزرع فينا الأمل ويعزز الإيمان بأن الوطن مهما كان قاسياً إلا أنه يستحق منا التضحيات ولملمة الجراح وتناسي الأحزان والتشمير عن سواعدنا لإعادة بنائه كلٌ من موقعه وحسب إمكانياته. وأنه من الضروري أن نعلم أولادنا حبه وأن نقص عليهم كل شيءٍ جميلٍ عن تاريخه وتراثه وحضارته وروعته.
وهذا هو ما جعل ليلى تترك حياتها الهانئة المستقرة السعيدة في باكستان لحظة معرفتها بأن العودة ممكنة وهذا ما جعلها تعمل مع الأيتام كمعلمة هدفها كغيرها عودة أفغانستان التي يحبون.
أتصور أروع ما يمكن أن يقال عن هذه الرواية هو ما ذُكر في كلمة الغلاف (رواية راقية، تنويرية، عالمية. إنها احتفالٌ بالصمود في وجه مأساةٍ شنيعة. إنها أغنية حبٍ لكل إنسانٍ لديه قلبٌ محطم، ولكل إنسانٍ يشعر بأن لا حول له ومع ذلك ما زال يجرؤ على الحلم).
ومن أعمال الكاتب أيضاً روايات لا تقل سحراً وتأثيراً عن هذه الرواية, وهي:
ورددت الجبال الصدى
عدّاء الطائرة الورقية (تحولت الرواية إلى فيلم جميل), ولكن لا أنصح بمشاهدة الفيلم قبل قراءة الرواية, لأنه مهما كان طاقم العمل عظيماً وكان الفيلم رائعاً, تبقى نسختك التي يخرجها خيالك أثناء القراءة أجمل بكثير
أنصحكم جميعاً أصدقائي بخوض تجربة قراءة أعمال الروائي خالد حسيني, وأعدكم بتجربةٍ إنسانيةٍ عميقةٍ لا تُنسى
دمتم قارئين
شيرين الخس